العِـلم
العــِلم
الحمد لله رافع السماء ، منبت الزرع ومكثر له السقاء، مطهر الوجود بعفة ونقاء، مُحكم العقل بحكم الصفاء، والصلاة والسلام على خير الأتقياء ومنارة الأنبياء ، الأمي الذي علمنا وعلم المتعلمين واليتيم الذي أسعدنا وبعث الأمل في قلوب اليائسين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذي قال : "ومن سلك طريقاً يلتمس به علماً ، سهل الله له به طريقاً إلى الجنة" ، أما بعد:
اسمحوا لي أن أخط هذه الحروف ولست بأعلمكم ، وأكتب تلك العبارات ولست بأفصحكم ، وأشد على أياديكم التي تحمل ألوية العلم ولست أحرصكم ، عسى أن أرسم بكلماتي تلك بعض المعاني الراقية والمفاهيم السامية التي ستوصلنا جميعاً إلى القمم الشماء ، معانقين لكواكب الجوزاء ، فها هو رب العزة جل في علاه يقول : "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب" ، ويقول أيضا وعز من قال : "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات".
فلو وقفنا معًا وقفة المفكر السليم والمدبر الحكيم الذي يعيَ واقعه بوعي ٍ عميق ويفهمه بفهم دقيق لرأينا أن خير سلاح أهل الأرض علم ينقل صاحبه من بيئة الظلام لمصابيح وأنوار.
" فالعلم سلاح يرتـقـى بـه حيث الجنان ولو كنت سقيما
والجهل هدم للمرء ولو بات في جنان الـدنـيا مقيــما "
فيكفي أصحاب العلم فخراً ومجداً أن سيد الخلق وأصدقهم صلى الله عليه وسلم قال : " فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم " ، وقال : " إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلّون على معلّمي الناس الخير" .
فالسعادة كل السعادة في العلم ، والطمأنينة كل الطمأنينة في بحار المعرفة ، فقد قيل إن مما يشرح الصدر: " كثرة المعرفة ، غزارة المادة العلمية ، اتساع الثقافة، عمق الفكر ، بعد النظر ، أصالة الفهم ، الغوص على الدليل ، معرفة سر المسألة، إدراك مقاصد الأمور واكتشاف حقائق الأشياء ".
فالعلم رسالة ، لا أرى بأن هنالك حق لكل من يحملها بتضييعها أو عدم إرسالها في الوقت الذي ينبغي على الوجه الذي ينبغي للشخص الذي ينبغي ، والعلم أمانة خاب وخسر من خانها ، والعلم نقيض الجهل ، فالجهل هدم للحياة وقتل لصاحبه وذبح للذي يُسنَد إليه ، فما سلك سُبل الجهل إلا هالك يرى بنفسه رفعة وهو في الحضيض والدرك الأسفل من الحماقة.
والعلم روح الحياة وحياة الروح ومنبع الحكمة وثروة الحلم وتاج الوقار ومعدن الهيبة ، فهو المنارة العليا والإشارة المنيرة والحقيقة المستنيرة ، حمل بجوفه دفئ الشمس وماء الغيوم ونور القمر وروح الرياح وأبصر الأعمى ونوّر قلب الضرير وكان مفتاح خير ونصر للأمم.
وأستبيحكم عذراً على أن لا نقلل من شأن الخُلْق والخَلق ، فالخَلق صنعة الرب ومن أفضل من الله صنعة، والخُلق ما اجتمع مع العلم إلا وازداد صاحبه بهجة ونوراً وما تحلـّيا العلم والخلق بالتواضع إلا اكتسب صاحبه ثوب الرفعة وإزار العزة ورداء المجد.
وأذكركم في نهاية المطاف بوصية الجاحظ ، كلمات تكتب بأغلى من ماء الذهب: " أذكركم بصديق هو الجليس الذي يطريك والصديق الذي يغريك ، والرفيق الذي لا يملّك، والمستميح الذي لا يستريثك ، والجار الذي لا يستبطيك، والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالملـَق ، ولا يعاملك بالمكر ، ولا يخدعك بالنفاق ، ولا يحتال لك بالكذب ، الذي إن نظرت فيه أطال إمتاعك ، وشحذ طباعك ،وبسط لسانك، وجوّد بنانك، وفخّم ألفاظك، وبحبح نفسك، وعمّر صدرك، ومنحك تعظيم العوام، وصداقة الملوك، وعرفت فيه في شهرٍ ما لا تعرفه من أفواه الرجال في دهر، فإنه خير صديق هذا الزمان إنه كتاب ".
فتعالوا معاً أخواني وأخواتي ، قُرّاءً وطُلاّباً ، نتخذ من دلائل الخير ما استطعنا، ومن غاية الرشد ما قُدّر لنا والإرشاد ما كتب في أرزاقنا عسى أن نعتلي معاً سفن توصل بنا حتماً لبحار العلم ومحيطات المعرفة لننتهي بشواطئ تربع فيها علماء على منابر من نور بحدائق الزهو والبهاء، مستمتعين بنظرة عميقة للواقع وحقائق الأمور بعيدين كل البعد عن وساوس الجهل وسوس الحماقة.
بـقـلــم :
عـِـز أبو جامع .