نـظام الحكم والدولة
نظام الحكم والدولة
إن معرفة ودراسة الطابع الخاص لدولة من الدول, أصبح أساسا ضروريا لمواطن الدولة ذاتها, بل ربما واجبا وطنيا أو قوميا أو أخلاقيا. وذلك للترابط الوثيق بين نظام الحكم وبين الاقتصاد, والإدارة, والقضاء, والخدمات, والتعليم, وغير ذلك. فأعمال الجهاز السلطوي, والعلاقات التبادلية بين مؤسسات الدولة والمجتمع, وعلاقة السلطة بالفرد, والحقوق والواجبات, وحقوق الإنسان والمواطن, وحقوق الأقليات, والحياة العامة, جميعها تتأثر بطابع الدولة ونظام حكمها. فمعرفة المواطن لطابع الدولة وسماتها تزيد من فاعلية هذا المواطن, ووعيه السياسي وانتقاده للسلطة وتقويمه لها في حالة التقصير أو التجاوز.
الدولة اليونانية:
اعتبرت "البولس" اليونانية القديمة مدينة ودولة في آن واحد. وبلع عدد سكان البولس 3000-5000 فرد تقريبا. واخذ سكان المدن اليونانية ومواطنيها دورا فاعلا في الحياة السياسية العامة, وحققت هذه الكيانات حكما ديمقراطيا يعتمد على إرادة المواطنين. وبلغ المجتمع اليوناني قمة تطوره السياسي والثقافي والإبداعي, واعتبرت أثينا نموذجا مميزا لجميع المدن اليونانية. بالرغم من هذا كانت الديمقراطية اليونانية انتقائية, ومحدودة, حيث اقتصرت على الرجال المحاربين ذوي الأنساب, واستثنت, الغرباء, والعمال والفلاحين, والفقراء والنساء وغيرهم.
الدولة الحديثة:
ظهرت بوادر الدولة الحديثة في أوروبا خلال القرن الخامس عشر. وبدأت هذه البوادر تظهر وتتحقق على أرض الواقع إبان الثورات العالمية, الانجليزية والأمريكية والفرنسية. ومن ثم انتشر مفهوم الدولة القومية في أوروبا والعالم خلال القرن التاسع عشر والقرن العشرين. وتحولت القومية ودولتها إلى مطلب ملح لكل امة تطمح في تقرير مصيرها.
مميزات الدولة الحديثة:
• مركزية السلطة في وحدة جغرافية محددة.
• توزيع الصلاحيات والنفوذ السياسي بين فئات واسعة في المجتمع.
• الفصل بين الحقوق المدنية والسياسية وبين المكانة الاجتماعية للفرد.
• الفصل بين المستوى السياسي للدولة وبين الجهاز الإداري التنفيذي.
• إدارة شؤون الدولة العامة واليومية على يد أجهزة إدارية بيروقراطية.
• غياب طبقة حاكمة ذات امتيازات واضحة لا نقاش عليها.
• التنافس العلني أو غير العلني على السلطة. لا ثبات في السلطة.
• اتساع مسؤوليات الدولة ومجالات تدخلها في حياة الفرد والمجتمع, في التعليم والخدمات والاقتصاد.....
الدولة من وجهة نظر فلاسفة العصر الحديث:
الدولة حسب ماكس وبر (1864-1920 فيلسوف وعالم اجتماع الماني) هي إطار شرعي محتكر لاستعمال القوة والنفوذ. ماكس وبر يؤكد على ”الاحتكار“ و“الشرعية“.
الاحتكار لاستعمال القوة يجب أن يكون مقبولا بشكل أو بآخر على الأفراد الذين يخضعون لهذه القوة. ومؤسسات الدولة هي ليست فقط مؤسسات إخضاع كالجيش أو الشرطة, بل هي شبكة مؤسساتية متكاملة هدفها البناء, والانجاز وتأسيس شرعية الدولة.
الدولة بحسب المفكر الليبرالي ادم سميث ( 1723-1790 فيلسوف ورجل اقتصاد اسكتلندي): لها عدة أدوار ومنها:
1- الدفاع عن حدودها ومساحتها- الجيش مؤسسة مركزية في هذا السياق.
2- الحفاظ على القانون والنظام- التعامل يجري حسب مواثيق وعقود موقعة أو متفق عليها بين طرفين. ودور الشرطة والجهاز القضائي ضمان تنفيذ هذه العقود.
3- توفير سلع معينة لا يستطيع السوق توفيرها, سلع عامة.
يعتقد سميث أيضا, انه من واجب الدولة التدخل والتفاعل مع التأثيرات والمتغيرات الخارجية. وترغم الجهات المختلفة التابعة لها أو ذات الصلة على أخذها بالحسبان, (مثل: أزمات مالية, أوبئة, حروب, كوارث طبيعية).
يتساءل سميث, إذا كان بالإمكان الفصل بين السياسة وبين المجالات الأخرى؟
الإجابة على هذا التساؤل جاءت واضحة, ألا وهي: لا يمكن الفصل بين السياسة وباقي المجالات, بل هنالك محاولة لتحقيق الفصل بقدر معين وبمحدودية بواسطة الليبرالية الاقتصادية.
انطلاقا من النتيجة التي توصل إليها ادم سميث, وهي حتمية العلاقة بين السياسة ومختلف مجالات الحياة, لا بد لنا من دراسة وتحليل دور الدولة ومؤسساتها في حياة مواطنيها.
بقلم الأستاذ :
خليل دهابشة .